محمد بركات المدير العام
الجنس :
عدد المساهمات : 703
تاريخ التسجيل : 26/06/2010
العمر : 47
الموقع : https://m1970live.yoo7.com
| موضوع: سيرة السيدة صفية بنت حيي بن أخطب . الجمعة أغسطس 06, 2010 3:53 am | |
| بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، وعلى آله وصحبه أجمعين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً ، وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين . أيها الأخوة الكرام ... مع الدرس التاسع عشر من دروس الصحابيات الجليلات ، ومع أم المؤمنين صفية بنت حيي بن أخطب ، هي صفية بنت حيي من ذرية نبي الله هارون ، كانت صفية رضي الله عناه شريفة عاقلة ذات حسب وجمال ، ودين وتقوى ، وذات حلم ووقار ، لأن النبي عليه الصلاة والسلام يقول : ((إن الله اختارني ، واختار لي أصحابي)) ، فمن باب أولى أن يختار له زوجاته ، وزوجات النبي عليه الصلاة والسلام جزء من دعوة الله عز وجل ، فحينما تكون زوجة الإنسان حصيفة ، وعاقلة ، وتبلغ عنه بشكل دقيق فهذا جزء من الدعوة ، لذلك تولى الله بذاته تطهير أهل بيت النبي ، قال تعالى : [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] (سورة الأحزاب) فكانت صفية رضي الله عنها شريفة عاقلة ذات حسب وجمال ، وذات دين ووقار ، وحلم وجمال ، تزوجها النبي عليه الصلاة والسلام سنة سبع من الهجرة ، وكان عمرها سبعة عشر سنة يوم تزوجها صلى الله عليه وسلم ، ولدت رضي الله عنها بعد البعثة بثلاثة أعوام بين قومها يهود خيبر ، ولا تنسوا أن زواج النبي عليه الصلاة والسلام زواج حكمة ومصلحة ، وزواج تأليف قلوب ، وزواج دعوة إلى الله عز وجل . لقد أسلمت بعد زواجها من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ذلك أنها كانت من سبايا خيبر ، وقد جعل مهرها عتقها ، تزوجها عليه الصلاة والسلام راغبة مختارة ، ولم يكرهها على الإسلام ، لأن الله عز وجل يقول : [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] (سورة البقرة 256) تزوجها مختارة ، وقد دخلت في دين الله طواعية ، لذلك عدت من أمهات المؤمنين رضوان الله تعالى عليهن ، أقامت مدة على دينها ثم أعلنت إسلامها ففرح النبي صلى الله عليه وسلم بهذا كثيراً ، وفي حديث أنس رضي الله عنه ((أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أخذ صفية بنت حيي قال لها : هل لك فيّ ؟ قالت : يا رسول الله قد كنت أتمنى ذلك في الشرك ، فكيف إذا أمكنني الله منعه في الإسلام)). وفي صحيح البخاري عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ((أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْتَقَ صَفِيَّةَ وَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا)) ، فهذه الرواية توضح أن إسلامها كان قبل زواجها من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد روت عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث عديدة ، روى عنها ابن أخيها كنانة ، ويزيد ، وعلي ، ومسلم بن صفوان ، وإسحاق بن عبد الله بن الحارث . لماذا ينبغي أن تكون زوجة رسول الله عاقلة حصيفة عفيفة طاهرة ؟ لأنها ستبلغ عنه ، النبي طلق امرأة واحدة رآها ضعيفة العقل ، فعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ((أَنَّ ابْنَةَ الْجَوْنِ لَمَّا أُدْخِلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدَنَا مِنْهَا قَالَتْ أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ فَقَالَ لَهَا لَقَدْ عُذْتِ بِعَظِيمٍ الْحَقِي بِأَهْلِكِ)) . (البخاري) والإنسان من سعادته في الدنيا أن تكون زوجته صالحة عاقلة ، لأن الزوجة المؤمنة ستيرة وعاقلة ستعين زوجها ، والمرأة كما تعلمون لها دور خطير في معونة زوجها على صلاح أمره . لمّا انتهت السنة السادسة للهجرة بأحداثها المليئة بالخيرات والبركات ، وأقبلت السنة السابعة بما تحمله من خطوب جسام ، وبزغ هلال المحرم من أول العام ، فتهيأ النبي صلى الله عليه وسلم لمعركة حاسمة تقطع دابر المكر اليهودي من أرض الحجاز الذي كشف لثامه في معركة الخندق ، في معركة الخندق اتضح أن اليهود ماكرون خائنون ، وأنهم يكيدون للنبي عليه الصلاة والسلام ، وما معركة الخندق عنكم ببعيد ، يوم نقض اليهود عهدهم ، وجاء أهل الشرك في الجزيرة يحيطون بالمدينة ليستأصلوا شقفة الإسلام ، وكانت معركة الخندق معركة حياة أو موت ، معركة وجود أو عدم وجود ، والله سبحانه وتعالى نصر النبي عليه الصلاة والسلام وانكشفت نواي اليهود الشريرة ، وانكشف مكرهم وخداعهم ، وهذا ديدنهم منذ قديم الأزمان . خرج النبي صلى الله عليه وسلم في النصف الثاني من المحرم إلى خيبر وهي مدينة كبيرة ذات حصون ومزارع وقلاع ، تقع على بعد مئة ميل شمال المدينة المنورة (160 كيلو تقريبا) ، من أكبر مدن الحجاز ، ومن أشدها حصانة ، وقوة ومناعة ، وكان مع النبي صلى الله عليه وسلم ألف وأربعمائة مقاتل ، ما بين فارس وراجل ، فلما أشرف النبي صلى الله عليه وسلم على خيبر قال لأصحابه قفوا ، وكان عليه الصلاة والسلام إذا غزا قوماً لم يغز عليهم حتى يصبح ، فلما أصبح رآه عمّال خيبر ، وقد خرجوا بمساحيهم ، وفؤوسهم ، ومكاتلهم يقصدون مزارعهم ، فلما رأوه صاحوا : محمد والخميس ( الخميس هو الجيش له مقدمة ومؤخرة ووسط وميمنة وميسرة ، خمس فرق ) ، ثم ولوا هاربين ، فقال عليه الصلاة والسلام : الله أكبر خربت خيبر ، إنّا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين . ثم سار النبي عليه الصلاة والسلام يفتح عقول خيبر وحصونها واحدًا تلو الآخر ، حتى إن حصن ابن أبي الحقيق فتحه ، وجيء بسبايا الحصن ، وفيهم صفية بنت حيي ، إذاً صفية سبية من سبايا أحد حصون خيبر ، ومعها ابنة عم لها جاء بهما بلال رضي الله عنه فمرّ بهما على قتلى يهود الحصن ، فلما رأتهم المرأة التي مع صفية صكت وجهها ، وصاحت وحثت التراب على وجهها ، فقال عليه الصلاة والسلام لبلال : أنزعت الرحمة من قلبك حين تمر بالمرأتين على قتلاهما . أرأيتم إلى رحمة النبي عليه الصلاة والسلام ، حتى في الأسيرة ، أسيرة أعدائه ، كبر عليه أن ترى امرأة ضعيفة قلبها رقيق قتلى قومها أمامها ، فعنف بلالاً فقال : أنزعت الرحمة من قلبك حينما تمر بالمرأة على قتلى قومها ، وقال لبلال أيضاً ، وكان صفية رأت قبل ذلك ... هنا هذه السبية بنت حيي زعيم اليهود رأت في المنام أن القمر وقع في حجرها ، وفي رواية رأت الشمس نزلت حتى وقعت على صدرها ، فذكرت ذلك لأمها ، فلطمت وجهها وقالت : إنك لتمدين عنقك إلى أن تكوني عند ملك العرب ، هذه الرؤية التي رأتها هذه السبية بشرت بمستقبلها ، هي زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، رأت القمر قد وقع في حجرها ، أو رأت الشمس نزلت فوقعت على صدرها . فلم يزل الأثر على وجهها ، لطم أمها لها بقي فترة طويلة ، حتى أتي بها إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فلما سألها عنه أخبرته ، فكبرت في نفسه صلى الله عليه وسلم حين سمع منها هذه البشارة التي زفها الله إليها . يعني أحياناً الإنسان يرى رؤيا واضحة جداً هذه الرؤيا الواضحة هي من عند الله عز وجل ، والرؤيا الصالحة يراها الرجل الصالح أو ترى له ، الرؤيا الصالحة طريقة أو هي إعلام الله عز وجل لهذا الإنسان ، يعلمه بشيء ما ، فربنا عز وجل بشرّ هذه المرأة الصالحة التي جعلها من نسل يهودي بأن زوجها رسول الله ، ومن خلال هذه الرؤيا التي رأتها أدركت أمها معنى هذه الرؤيا ، فلطمت وجهها ، وصكته ، وقالت : إنك تمدين عينيك إلى أن تكوني عند ملك العرب ، ولم يبق أثر لطم أمها على وجهها . فحينما رآها النبي عليه الصلاة والسلام ، وسمع منها هذه البشارة التي زفها الله تعالى إليها واسى آلامها ، وخفف من مصابها ، وأعلمها أن الله تعالى حقق رؤياها . الآن لما صار النبي عليه الصلاة والسلام على ستة أميال من خيبر مال يريد أن يعرس بها فأبت عليه ، فوجد في نفسه فلما كان بالصهباء ، وهو على بريد من خيبر نزل بها هناك فمشطتها أم سليم ، وعطرتها ، وكانت صفية من أضوء ما يكون من النساء ، فدخل صلى الله عليه وسلم على أهله ، فلما أصبحت سألتها عمّا قال لها ، فقالت : قال لي ما حملك على الامتناع من النزول أولاً ؟ فقالت : خشيت عليك من قرب اليهود ، فزادها ذلك عنده منزلة ومكانة . يعني أرادت أن يبتعد كثيراً عن ديار اليهود لئلا يغدروه ، فكانت حريصة عليه حرصاً شديداً ، هذا الذي ذكره كتاب السيرة . وفي طريق العودة إلى المدينة تهيأ الركب لملاقاة الأهل والإخوة ، فاستقبل القوم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه بالترحاب والإكرام ، وكانت بشائر الانتصارات تزف إليهم حيناً بعد حين . وقد ذكر ابن سعد من طريق عطاء بن يسار قال : لما قدم صفية من خيبر أنزلت في بيت الحارث بن نعمان ، فسمع نساء الأنصار فجئن ينظرن إلى جمالها ، وجاءت عائشة متنقبة ، المرأة هي المرأة ، فلما خرجت خرج النبي صلى الله عليه وسلم على أثرها فقال لها : كيف رأيت يا عائشة ؟ قالت : رأيت يهودية ، فقال صلى الله عليه وسلم : لا تقول ذلك ، فإنها أسلمت ، وحسن إسلامها . أنا استنبط من هذا أن الإنسان يكون له انتماء معين ، له مشكلة معينة ، وبعد أن يتوب إلى الله ، ويسلم ، وبعد أن يستغفر ينتهي الماضي ، فكلما كنت أقرب إلى الله نسيت الماضي ، وكلما كنت تتحرك بحركة غير صحيحة يثير ماضيك عندك الشيء الكثير ، فإذا كان الإنسان تائهاً أو شارداً ، وتاب إلى الله توبة نصوحاً فينقسم الناسُ قسمين : قسم يريد أن يركز على ماضيه ، وقسم يركز على حاضره ، كلما كنت أقرب إلى الله عز وجل تركز على الحاضر ، وكلما كنت أبعد عن منهج الله تركز على الماضي ، وهذا الشيء يبعث في النفس الألم ، كان الإنسان شاردًا ومخطئًا ، ثم ، تاب ، وأسلم وحسن إسلامه ، وارتقى إلى الله عز وجل لماذا تذكره بهذا الماضي ، لا بدّ أنك تريد أن تثبطه ، أن تضعفه ، أن تذكره بما اقترفت يداه . لذلك سيدنا يوسف عليه السلام علمنا من خلال القرآن لما التقى بإخوانه قال : [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] (سورة يوسف 100) السجن ليس فيه خطر على بقاء الإنسان ، الخطر بالجب ، يعني لو أنك أردت أن تذكر أيهما أخطر وضعه في الجب أم وضعه في السجن ، وضعه في الجب مظنة هلاك ، لكن وضعه في السجن مظنة سلامة ، هو يتذكر فضل الله عليه إذ أخرجه من السجن ، ولم يقل إذ أخرجه من الجب ، لأنه إن قال إذ أحسن بي إذ أخرجني من الجب يخاطب إخوته ذكرهم بجريمته ، لأنه عليه الصلاة والسلام كان قمة في الكمال . فإذا كان للإنسان عمل ، وتاب منه ، وتركه فالكمال ألا ذكره له إطلاقاً ، بل إن النبي عليه الصلاة والسلام وقف موقفاً أبلغ من ذلك لما جاءه عكرمة مسلماً وجه أصحابه الكرام فقال : جاءكم عكرمة مسلماً ، فإياكم أن تسبوا أباه ، فإن سب الميت يؤذي الحي ، ولا يبلغه . فالمؤمن يقرب ولا يبعد ، لا يحمر الوجوه ، لا يحرج الناس ، في شخص عنده رغبة في إحراج الناس دائماً يذكرهم بعمل أخطؤوا فيه سابقاً ، سيدنا عمر جاءه رجل وقال : يا أمير المؤمنين إن أختي وقعت في معصية ، وأقيم عليها الحد ، وجاء الآن من يخطبها أفأذكر ذلك لمن خطبها ؟ قال له : والله لو ذكرته لقتلتك ، إذا تاب الإنسان من شيء ينبغي أن تطوى صفحة . فأنت كلما كنت أقرب إلى الله ، والتقيت بإنسان له ماض فانسَ ماضيه ، وتركز على حاضره الطيب ، وكلما كان الإنسان أقرب إلى حظوظ نفسه ، وإلى البعد عن منهج الله يذكره بماضيه ، وثمة إنسان يتكلم بلسان الشيطان ، دائماً يثبط الهمم ، يحبط العمل ، فإذا تألق الإنسان قيل له : كيف كنت من زمان ؟ كان وتاب ، يريد أن يفشله ، أن يجعله يخفق . فقال صلى الله عليه وسلم : لا تقول ذلك إنها أسلمت ، وحسن إسلامها . وقال الحافظ أبو نعيم في كتابه حلية الأولياء عقب ذكره لصفية : ومنهن التقية الذاكرة ذات العين الباكية صفية الصافية زوجة النبي صلى الله عليه وسلم . بالمناسبة ليس في الإسلام عداوة ثابتة ، الله جلّ جلاله في الأصل لا يبغض عباده ، بل يبغض أفعالهم ، إن تابوا فأنا حبيبهم ، وإن لم يتوبوا فأنا طبيبهم ، فالله لا يبغض عبده ، بل يبغض فعل عبده ، بدليل أن الإنسان مجرد أن يتوب إلى الله ينتهي الأمر ، سيدنا عمر رضي الله عنه لما دخل عمير بن وهب جاء ليتقل النبي عليه الصلاة والسلام ، وأدرك بحدسه ، وهو عملاق الإسلام أن هذا عدو الله ، جاء يريد شراً ، فكتفه بحمالة سيفه ، وساقه إلى النبي عليه الصلاة والسلام ، وقال : يا رسول الله هذا عمير جاء يريد شراً ، سيدنا رسول الله قال له : ابتعد عنه ، وأطلق سراحه ، وقال : ادن مني يا عمير ، بقلب كبير ، وعطف شديد ، وقد جاء ليقتله ، قال : سلِّمْ علينا ، فقال : أنعمت صباحاً يا محمد ، قال له : سلّم بسلام الإسلام ، بغلظة ما بعدها غلظة ، ليس بعيدَ عهدٍ بسلام الجاهلية ، أنعمت صباحاً ، ما الذي جاء بك يا عمير ؟ قال : جئت أفك ابني من الأسر ، قال له : وهذه السيف التي على عاتقك ؟ قال : قاتلها الله من سيوف ، وهل نفعتنا يوم بدر ، قال له : ألم تقل لصفوان : لولا أولاد صغار أخشى عليهم العنت ، وديون لا أطيق سدادها لذهبت ، وقتلت محمداً ، وأرحتكم منه ، فوقف ، وقال : أشهد أنك رسول الله ، إن هذا الذي قلته لصفوان لا يعلمه أحد إلا الله ، وأنت رسوله ، وأسلم . الشاهد أن سيدنا عمر قال : دخل عمير على رسول الله ، والخنزير أحب إليّ منه ، وخرج من عنده ، وهو أحبّ إليّ من بعض أولادي ، هذه عظمة الإسلام ليس هناك عداوة دائمة ، والمسلم لا يكره غير المسلم ، بل يكره فعله فقط ، يكره انحرافه ، يكره تقصيره ، يكره عدوانه ، لا يكره ذاته ، لأنه عبد لله شارد . حال المسلم مع غير المسلم كحال الطبيب مع مريض ، هناك مرض جلدي ، المرض مقزز ، لكن هل يحقد الطبيب على مريض مصاب بمرض جلدي ؟ لا بل يشفق عليه ، وكل مؤمن بلغ مرتبة عالية في قلبه رحمة ، فإن رأى إنسانًا شاردًا منحرفًا يشفق عليه ، ولا يحقد عليه ، وهذا الدين لا يبنى على الحقد ، ولا على الكراهية ، بل يبنى على المحبة ، ويبنى على محبة الخلق كلهم . إذاً هذه بنت حيي ابن أخطب قال عنها كتاب السيرة : التقية الزكية ، ذات العين الباكية ، صفية الصافية ، زوجة النبي صلى الله عليه وسلم . الآن وقفات مع هذه الزوجة الصالحة ، قال : لاحظت صفية وهي بين أمهات المؤمنين أنها شريكتهم برسول الله ، لذلك أثارت شراكتها الجديدة حفيظتهم ، وتلك سنة الله في النساء ، وغيرة المرأة ميزة فيها ، ولولا أنها تغار عليك لما أحببتها ، لا تضجروا من غيرة النساء ، فلولا أنها تغار عليك لما أحببتها ، تحبها لأنها تغار عليك ، وتحرص عليك ، إلا أن هناك غيرة مرضية ، وهذه حالات قليلة ، هناك غيرة سوية ، كل امرأة - أية امرأة على وجه الأرض - تحب أن يكون زوجها لها وحدها ، وهناك نساء غيرتهن مرضية ، يعني يتوهمن أشياء لم تقع ، ولن تقع ، فهذه تحتاج إلى معالجة ، فالمرأة هي المرأة . لاحظت صفية هذا الأثر في نفوس بعض ضرائرها فقدمت لهن بعض الحلي من الذهب كرمز لمودتها لهن ، كما قدمت ذلك لفاطمة بنت محمد ، كهدايا لضرائرها ولفاطمة ابنة النبي عليه الصلاة والسلام ، وهذا أسلوب ذكي جداً ، الإنسان أحياناً يحقق بعض أهدافه بكلمة طيبة أو بدهية مخلصة من أجل أن المركب يسير . وهذه الزوجة الذكية اكتشفت أن الخطر لا يأتيها إلا من زوجتين تقتربان منها في السن والجمال ؛ السيدة عائشة ، والسيدة حفصة ، فمرة بلغها عن حفصة وعائشة كلام ، فذكرت ذلك للنبي عليه الصلاة والسلام ، يعني آلمها قول حفصة وعائشة فيها ، فقال عليه الصلاة والسلام : ألا قلت لهما : وكيف تكونان خيراً مني وزوجي محمد ، وأبي هارون ، وعمي موسى ، ثلاثة أنبياء ، فنزل قول النبي عليه الصلاة والسلام برداً وسلاماً على قلبها . وكان لها من رسول الله صلى الله عليه وسلم رعاية خاصة حيث يشعر بغربة صفية ، يعني بقية نساؤه قرشيات بين قومهن ، أما هي فغريبة ، ولأنها غريبة فلها معاملة خاصة ، ولها عطف خاص ، ولها رعاية خاصة ، وهذا أيضاً من حسن السياسة ، ومن الحكمة في التعامل ، أحيانا يكون الشخص مقيمًا في مدينة أقربائه ، وإخوانه ، وأعمامه ، وأخواله ، أما الشخص الغريب الوحيد فليس له أحد ، وهذا يحتاج إلى معاملة طيبة جداً ، وإلى رعاية خاصة كي ينسى أنه غريب . روى أبو نعيم عن أنس قال : بلغ صفية أن حفصة قالت لها بنت يهودي ، فبكت ، فدخل عليها النبي صلى الله عليه وسلم ، وهي تبكي فقال : ما شأنك ؟ قالت : قالت لي حفصة : إنك بنت يهودي ، فقال لها النبي عليه الصلاة والسلام : إنك لبنت نبي ، وإن عمك لنبي ، وإنك لتحتَ نبي ، فبما تفخر عليك ، يعني كل من حولك أنبياء ، ثم قال : اتق الله يا حفصة ، وكانت صفية عاقلة فاضلة حليمة لا تأبه بكل تلك المضايقات . هنا سؤال : الله عز وجل له حكمة بالغة ، قد يخرج من صلب إنسان لئيم أحمق امرأة صالحة ، قد يأتي من نسل رجل مجرم إنسان ولي ، فالله عز وجل يخلط ، معنى يخلط قد يخرج الحي من الميت ، والميت من الحي ، وقد تجد من نسل عالم جليل تائهًا شاردًا ، قد تجد من نسل رجل شارد وليًّا لله عز وجل ، فهذه صفاته أن تكون من نساء رسول الله عليه الصلاة والسلام عقل ، وذكاء ، وحكمة ، وأدب ، وخجل ، وتواضع ، ورأت أن قمراً وقع في حجرها ، فلما ذكرت ذلك لأمها لطمتها على وجهها . تروي كتب السيرة أن بعض زوجاته آذتها بلسانه فقاطعها النبي شهرين للتي آذتها ، كان يرعاها رعاية خاصة . كان لهذه السيدة المصون مواقف جليلة وتصرفات نبيلة تنبئ عن كبر عقلها ، وعظيم إخلاصها ، والحقيقة أروع ما في المرأة عقلها ، المألوف أن المرأة تزهو بجمالها أو بأنوثتها ، أما حينما يضاف إلى جمالها عقل راجح فتكون شيئًا نادرًا جداً ، فما أروع العقل بالمرأة ، وقد قال رجلٌ لزوجته : إن في خلقي سوءاً ، فقالت له : إن أسوء منك خلقاً من حاجك إلى سوء الخلق . روى زيد بن أسلم قال : اجتمع نساء النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي توفي فيه ، فقالت صفية بنت حيي : إني والله يا رسول الله لوددت أن الذي بك بي ، فغمزن أزواجه ببصرهن ، فقال عليه الصلاة والسلام : مضمنّ ، أي اغسلن أفواهكن ، ماذا قالت إلا والله يا رسول الله أتمنى لو أن الذي بك بي ، من شدة حبها له ، وتعظيمها له ، فكانت تتمنى المرض الذي عند رسول الله عندها ، فأزواجه الطاهرات غمزن ، وعبرن عن استهزائهن بهذه الكلمة ، فقال عليه الصلاة والسلام : مضمِضْن ، فقلنا : من أي شيء ؟ فقال عليه الصلاة والسلام : من تغامزكن ، وإنها والله لصادقة ، قال كتاب السيرة : أعظم بهذا من شهادة لها من رسول الله صلى الله عليه وسلم . وروى أبو نعيم أيضاً عن عبد الله بن عبيدة أن نفراً اجتمعوا في حجرة صفية بنت حيي زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا الله ، وتلوا القرآن ، وسجدوا ، فنادتهم صفية رضي الله عنها : هذا السجود ، وتلاوة القرآن ، فأين البكاء ؟ أين الخشوع ؟ وما كان الله ليسمح لامرأة أن تكون زوجة النبي إلا أن تكون قمة في الكمال ، وقمة في الفهم والقرب . وقد روى ابن حجر عن أبي عمر قال : كانت صفية رضي الله عنها عاقلة فاضلة ، روي أن جارية لها أتت عمر فقالت : إن صفية تحب السبت ، وتصل اليهود ، فبعث إليها عمر فسألها عن ذلك ، فقالت : أما السبت فإني لم أحبه منذ أبدلني الله به الجمعة ، وأما اليهود فإن لي فيهم رحماً ، فأنا أصلها ، فلم يجب عمر ، ثم قال للجارية ، أو قالت هي : ما حملك على ذلك ؟ قالت : الشيطان ، فقالت : اذهبي فأنت حرة ، يعني أرادت أن توغر صدر عمر عليها ، إنها تحب يوم السبت ، ولا تحب يوم الجمعة ، قالت : لا ، بعد أن شرفني الله بالإسلام فإني أحب الجمعة ، ولا أحب السبت ، أما أن تُعتَقَ من أهلها ، فقالت : لا ، إنني أصل رحمي ، وهي بهذا تتخلق بخلق النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان يعفو عمن ظلمه ، ويحسن إلى من أساء إليه . أيها الإخوة ... الحقيقة أن رواية هذه البطولات عن الصحابيات الجليلات وفي مقدمتهن زوجات النبي صلى الله عليه وسلم يعلمن الشيء الكثير ، يعلمنا أن المرأة كالرجل ، يمكن أن تحقق بطولة ، ويمكن أن تكون في أعلى مرتبة عند الله عز وجل ، وأن أي نظرة إلى المرأة توهم أنها دون الرجل ، وأن مجالها البيت والطبخ والأشياء التي يفعلها النساء عادة هذه نظرة جاهلية للمرأة ، لذلك أنا أتمنى على كل أب عنده بنات أن يلقي في روعهن أنهن يمكن أن يكن بطلات ، فالمرأة التي ترعى حق زوجها وأولادها كالمجاهدة في سبيل الله ، ((اعلمي أيتها المرأة ، وأعلمي من دونك من النساء أن حسن تعلب المرأة زوجها يعدل الجهاد في سبيل الله)) . والإنسان إذا جاءته بنت أو بنتان فأحسن تربيتهما فالنبي كفله في الجنة ، قالوا : واحدة ؟ قال : واحدة ، في بيت ليس فيه بنات إلا ما ندر ، فأي بيت فيه بنت يمكن أن يكون هذا البيت مرحوماً ، وأي رجل جاءته بنت فراها تربية صالحة يمكن أن تكون هذه الفتاة الصالحة سببًا لدخول الجنة ، والنبي صلى الله عليه وسلم قال : ((أكرموا النساء ، فوالله ما أكرمهن إلا كريم ، ولا أهانهن إلا لئيم ، يغلبن كل كريم ، ويغلبهن لئيم ، وأنا أحب أن أكون كريماً مغلوباً من أن أكون لئيماً غالباً)). والحمد لله رب العالمين . | |
|