فصل
ثم يرفع رأسه مكبرا غير رافع يديه ، ثم يجلس مفترشا يفرش اليسرى ، ويجلس عليها ، وينصب اليمنى ، ويضع يديه على فخذيه ، ويجعل مرفقيه على فخذيه ، وطرف يده على ركبتيه ، ويقبض اثنتين من أصابعه ، وحلق حلقة ، ثم يرفع إصبعه يدعو بها ، ولا يحركها ، ثم يقول : الترمذي الصلاة (284) ، أبو داود الصلاة (850) ، ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (898). اللهم اغفر لي وارحمني ، واجبرني ، واهدني ، وارزقني هكذا ذكره ابن عباس عنه .
وذكر حذيفة عنه أنه كان يقول : الترمذي الصلاة (284) ، أبو داود الصلاة (850) ، ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (898). رب اغفر لي ثم ينهض على صدور - ص 18 - قدميه وركبتيه ، معتمدا على فخذيه ، فإذا نهض افتتح القراءة ولم يسكت ، كما يسكت عند الاستفتاح . ثم يصلي الثانية كالأولى إلا في أربعة أشياء : السكوت والاستفتاح ، وتكبيرة الإحرام ، وتطويلها .
فإذا جلس للتشهد ، وضع يده اليسرى على فخذه الأيسر ، ويده اليمنى على فخذه الأيمن ، وأشار بالسبابة ، وكان لا ينصبها نصبا ، ولا يقيمها ، بل يحنيها شيئا يسيرا ، ولا يحركها ، ويرفعها يدعو بها ، ويرمي بصره إليها ، ويبسط اليسرى على ، ويتحامل عليها .
وأما صفة جلوسه ، فكما تقدم بين السجدتين سواء .
وأما حديث ابن الزبير الذي رواه مسلم كان إذا قعد في الصلاة جعل قدمه الأيسر بين فخذه وساقه ، وفرش قدمه الأيمن . فهذا في التشهد الأخير . ذكر ابن الزبير أنه يفرش اليمين ، وذكر أبو حميد أنه ينصبها ، وهذا والله أعلم ليس باختلاف ، فإنه كان لا يجلس عليها ، بل يخرجها عن يمينه ، فتكون بين المنصوبة والمفروشة ، أو يقال : كان يفعل هذا وهذا ، فكان ينصبها ، وربما فرشها أحيانا ، وهو أروح .
ثم كان يتشهد دائما بهذه الجلسة ، ويعلم أصحابه أن يقولوا : البخاري الأذان (797) ، مسلم الصلاة (402) ، الترمذي النكاح (1105) ، النسائي السهو (1298) ، أبو داود الصلاة (968) ، ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (899) ، أحمد (1/428) ، الدارمي الصلاة (1340). التحيات لله والصلوات والطيبات ، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وكان يخففه جدا كأنه يصلي على الرضف الرضف : الحجرات المحماة بالنار . . ولم ينقل عنه في حديث قط أنه كان يصلي عليه وعلى آله فيه ، ولا يستعيذ فيه من عذاب القبر ، وعذاب جهنم ، وفتنة المحيا والممات ، وفتنة المسيح الدجال ، ومن استحبه فإنما فهمه من عمومات قد تبين موقعها وتقييدها بالتشهد الأخير .
ثم كان ينهض مكبرا على صدور قدميه ، وعلى ركبتيه ، معتمدا على فخذيه . وفي " صحيح مسلم " وبعض طرق البخاري أنه كان يرفع يديه في هذا الموضع ، ثم كان يقرأ الفاتحة وحدها ، ولم يثبت عنه أنه قرأ في الأخيرتين بعد الفاتحة شيئا .
ولم يكن من هديه الالتفات في الصلاة . وفي " صحيح البخاري " أنه سئل عنه ، فقال : البخاري الأذان (718) ، الترمذي الجمعة (590) ، النسائي السهو (1196) ، أبو داود الصلاة (910) ، أحمد (6/106). هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد وكان يفعله في الصلاة أحيانا لعارض ، لم يكن - ص 19 - من فعله الراتب ، كالتفاته إلى الشعب الذي بعث إليه الطليعة وكان ذلك في صلاة الصبح ، وقد أرسل فارسا إلى الشعب من الليل يحرس . والله أعلم . وكان يدعو بعد التشهد ، وقبل السلام ، وبذلك أمر في حديث أبي هريرة وحديث فضالة .
وأما الدعاء بعد السلام مستقبل القبلة أو المأمومين ، فلم يكن ذلك من هديه أصلا وعامة الأدعية المتعلقة بالصلاة إنما فعلها فيها وأمر بها فيها . وهذا هو اللائق بحال المصلي ، فإنه مقبل على ربه ، فإذا سلم زال ذلك . ثم كان صلى الله عليه وسلم الترمذي الصلاة (295) ، أبو داود الصلاة (996) ، ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (914) ، أحمد (1/394). يسلم عن يمينه : السلام عليكم ورحمة الله وعن يساره كذلك ، هذا كان فعله الراتب ، وروي عنه أنه كان يسلم تسليمة واحدة من تلقاء وجهه ، لكن لم يثبت ، وأجود ما فيه حديث عائشة وهو في " السنن " ، لكنه في قيام الليل ، وهو حديث معلول ، على أنه ليس صريحا في الاقتصار على التسليمة الواحدة .
وكان يدعو في صلاته فيقول : البخاري الأذان (798) ، مسلم الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار (589) ، النسائي السهو (1309) ، أبو داود الصلاة (880) ، ابن ماجه الدعاء (3838) ، أحمد (6/57). اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر ، وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال ، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات ، اللهم إني أعوذ بك من المأثم والمغرم وكان يقول في صلاته أيضا : الترمذي الدعوات (3500). اللهم اغفر لي ذنبي ، ووسع لي في داري ، وبارك لي في ما رزقتني وكان يقول : الترمذي الدعوات (3407). اللهم إني أسألك الثبات في الأمر ، والعزيمة على الرشد ، وأسألك شكر نعمتك ، وحسن عبادتك ، وأسألك قلبا سليما ، وأسألك لسانا صادقا ، وأسألك من خير ما تعلم ، وأعوذ بك من شر ما تعلم ، وأستغفرك لما تعلم
والمحفوظ في أدعيته كلها في الصلاة بلفظ الإفراد .
البخاري النكاح (4799) ، مسلم النكاح (1425) ، الترمذي النكاح (1114) ، النسائي النكاح (3280) ، أبو داود النكاح (2111) ، ابن ماجه النكاح (1889) ، أحمد (5/336) ، مالك النكاح (1118) ، الدارمي النكاح (2201). وكان إذا قام في الصلاة طأطأ رأسه ، ذكره أحمد ، وكان في التشهد لا يجاوز بصره إشارته ، وقد جعل الله قرة عينه ونعيمه في الصلاة ، فكان يقول : أبو داود الأدب (4985) ، أحمد (5/364). يا بلال أرحنا بالصلاة ولم يشغله ذلك عن مراعاة المأمومين مع كمال حضور قلبه .
البخاري الأذان (830) ، النسائي الإمامة (825) ، أبو داود الصلاة (789) ، ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (991) ، أحمد (5/305). وكان يدخل في الصلاة وهو يريد إطالتها ، فيسمع بكاء الصبي ، فيخففها مخافة أن يشق على أمه ، وكذلك البخاري الصلاة (494) ، مسلم المساجد ومواضع الصلاة (543) ، النسائي السهو (1205) ، أبو داود الصلاة (917) ، أحمد (5/303) ، مالك النداء للصلاة (412) ، الدارمي الصلاة (1360). كان يصلي الفرض وهو حامل أمامة بنت ابنته على عاتقه ، إذا قام حملها ، وإذا ركع وسجد وضعها ، وكان يصلي فيجيء الحسن والحسين فيركبان على ظهره ، فيطيل السجدة كراهية أن يلقيه عن ظهره ، النسائي السهو (1206) ، أبو داود الصلاة (922). وكان يصلي فتجيء عائشة فيمشي ، فيفتح لها الباب ، ثم يرجع - ص 20 - إلى مصلاه .
وكان يرد السلام بالإشارة . وأما حديث من أشار في صلاته فليعدها فحديث باطل . وكان ينفخ في صلاته ، ذكره أحمد وكان يبكي فيها ، ويتنحنح لحاجة .
أبو داود الصلاة (653) ، ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1038) ، أحمد (2/206). وكان يصلي حافيا تارة ، ومنتعلا أخرى لحديث أبو داود والبزار وصححه الحاكم ووافقه الذهبي . وأمر بالصلاة في النعل مخالفة اليهود وكان يصلي في الثوب الواحد تارة ، وفي الثوبين تارة وهو أكثر .
وقنت في الفجر بعد الركوع شهرا ثم ترك ، وكان قنوته لعارض ، فلما زال تركه ، فكان هديه القنوت في النوازل خاصة ، وتركه عند عدمها ، ولم يكن يخصه بالفجر ، بل كان أكثر قنوته فيه لأجل ما يشرع فيه من الطول ، ولقربها من السحر وساعة الإجابة ، والتنزل الإلهي .